شهد الأسبوع الماضي متابعة وسائل الإعلام لدراسةٍ نُشرت للتوّ حول الصلة المحتملة بين إصابات الرأس وخطر ظهور التصلّب المتعدد.

وكانت دراسات سابقة قد نظرت في وجود أي رابط محتمل بين إصابة الرأس وخطر ظهور التصلّب المتعدد في مرحلةٍ لاحقة من العُمر. ووجدت بعض هذه الدراسات دليلاً على وجود صلةٍ، بينما لم تجد غيرها من الدراسات أي صلة. واستنتج تحليل مركّب من البيانات المُستقاة من عدّة دراسات جيّدة في نهاية المطاف عدم وجود دليلٍ قوي على أنّ إصابات الرأس تزيد خطر التعرض للتصلّب المتعدد.

وقد استخدمت حالياً مجموعةٌ سويدية البيانات الموجودة في السجلّ السويدي للتصلّب المتعدد الذي كان يجمع البيانات من كلّ شخصٍ جرى تشخيصه بالتصلّب المتعدد في السويد منذ عام 1964، في محاولةٍ منها لتقديم إجابةٍ أوضح حول هذا الموضوع.
ويفترض بحث هذه المجموعة وجود رابطٍ بين الارتجاج في سنّ البلوغ والخطر اللاحق بظهور التصلّب المتعدد. ومع ذلك، فمن أهم الأشياء الواجب ملاحظتها في هذه الدراسة هو أنّ 97% من الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد لم يُذكر في سجلّهم تعرّضهم لأي ارتجاج. ويعني ذلك أنّ الارتجاج قد يكون عاملاً مُساهماً على الأرجح في نسبةٍ صغيرةٍ فحسب من حالات التصلّب المتعدد. وأمّا بالنسبة إلى معظم الأشخاص، فعلى الأرجح أن تشكّل عوامل أخرى بيئية ووراثية [تُستعرَض هنا] تأثيراً أقوى.

في هذه الدراسة، [المنشورة في مجلة حوليّات علم الأعصاب]، نظر الباحثون في السجلاّت الطبية لـ 7292 شخصاً من ذوي التصلب المتعدد وسجلاّت 72920 شخصاً لا يوجد لديهم تصلب متعدد. ونظروا في عدد الأشخاص ضمن مجموعة التصلّب المتعدد الذين جرى تشخيصهم سابقاً بارتجاج بالمقارنة بعدد أولئك ضمن المجموعة غير المتعايشة مع التصلّب المتعدد، وفي أيّ عُمر أصيبوا بالارتجاج. ومن أجل استبعاد إمكانية أن تُفضي أي صدمة بدنية عامة إلى التصلّب المتعدد فقد قارنوا أيضاً عظام الأطراف المكسورة بين المجموعتين.

ولم يكن هناك رابطٌ إمّا بين ارتجاجٍ أو طرفٍ مكسور تعرّض له الأفراد في الطفولة (العُمر من صفر إلى 10 سنوات) وبين تشخيصٍ لاحق بوجود تصلّب متعدد. ومع ذلك، فحينما نظر الباحثون في الارتجاج الذي حدث خلال سنّ البلوغ (الأعمار من 11 إلى 20 سنة) وجدوا زيادةً صغيرةً ولكنها مهمّة إحصائياً في خطر التعرض لاحقاً للتصلّب المتعدد. وكانت المخاطرة المرتفعة هي مجرّد مخاطرة متواضعة عند وقوع حالةٍ واحدةٍ من الارتجاج، لكنها كانت أوضح بكثير عند وقوع حالتين من الارتجاج.
وقد أقرّ الباحثون بأن التصلّب المتعدد الكامن وغير المشخّص لربما زاد المخاطرة بتعرّض الشخص للإصابة بصدمة، وعلى سبيل المثال، من خلال التأثير على قدرته الحركية وتناسقها وتوازنها – وهي ظاهرة تُعرف علمياً باسم ’السببية العكسية‘. غير أنه لعدم وجود ارتباط بين عظام الأطراف المكسورة والتشخيص اللاحق بالتصلّب المتعدد، فقد استنتج الباحثون عدم ثبوت مثل هذه العلاقة.

من الجوانب القوية في هذه الدراسة أنها استخدمت سجلاّت المستشفيات عوضاً عن الاعتماد على ذاكرة الأشخاص حول الصدمات والإصابات الماضية. ولكن، حيث إنّ عدد الأشخاص الذين تعرّضوا لارتجاجين أو أكثر في الدراسة كان نادراً نسبياً فإنّ تأويل التحليل الإحصائي معرض للطعن في صحته.

يُناقش مؤلّفو الدراسة عدداً من الأسباب التي تفسّر جواز ارتباط إصابات الرأس بزيادة خطر التعرض للتصلّب المتعدد. ويشمل ذلك الضرر الواقع على الأنسجة العصبية نفسها، والتي قد تؤدي إلى استجابة مناعيّة غير مناسبة، إلى جانب إمكانية إطلاق صدمة الرأس لحالةٍ التهابية في الدماغ تجعل الشخص عرضةً لظهور التصلّب المتعدد.

وفي حين أنّ نسبة الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد في هذه الدراسة ممّن لديهم تاريخ واضح بإصابةٍ حادّة في الرأس هي نسبة صغيرة جداً، فإنّ الباحثين يشيرون مع ذلك إلى أنّ الدراسة تُعطي دافعاً أكبر لحماية المراهقين من إصابات الرأس أثناء ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية الأخرى. وبالرغن من ذلك، فإنّ الوقاية من التصلّب المتعدد ستتطلّب منهجية أوسع كثيراً للتعامل مع عوامل الخطر المعروفة المرتبطة بقوّةٍ أكبر بالتصلّب المتعدد (اقرأوا معلومات أكثر حول هذه العوامل [هنا]).