ليس من غير الشائع أو غير المتوقّع أن تنتاب المرء مشاعر القلق والاكتئاب عند تشخيصه بالتصلّب المتعدد. ولكنّ الأمر غير الواضح هو العامل الذي يتسبب في الاضطرابات المزاجية في التصلّب المتعدد على وجه الدقة – هل هو تأثير نفسي يعتري المرء في المقام الأول عند تشخيص إصابته بمرضٍ مُزمن، أمْ هل يكون عمليةً حيوية ناتجة عن المرض نفسه؟
يقدم بحثٌ جديد نُشر مؤخراً دليلاً جديداً على أنّ التغيرات الكيميائية المرتبطة بنشاط المرض قد تكون المسبّبَ للتغيرات المزاجية لذوي التصلّب المتعدد.

ففي التصلّب المتعدد، تدخل الخلايا المناعية إلى الدماغ و/أو الحبل الشوكي وتُسبّب الالتهاب أو الضرر. ويرتبط هذا الالتهاب (انتقال الخلايا المناعية داخل النسيج) بإطلاق مواد كيميائية تُسمّى سايتوكينات تسمح للخلايا المناعية بالتواصل مع بعضها بعضاً. ويمكن لهذه السايتوكينات أن تؤثّر كذلك على أجهزة الجسم الأخرى.

وفي [هذه الدراسة] أراد فريقٌ من الباحثين من إيطاليا استكشاف العلاقة بين الواصمات الكيميائية للالتهاب (السايتوكينات)، وحالة القلق أو الاكتئاب التي تنتاب الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد.

وشملت الدراسة 405 أشخاص ممّن لديهم تصلّب متعدد انتكاسي ترددي، وما يزيد عن رُّبعهم لم يتلقّوا أية أدوية تعديلية مناعية للتصلّب المتعدد. ووجد الباحثون أنّ الأشخاص الذين يمرّون بانتكاسٍ سريري كانوا أكثر احتمالاً بأن يعانوا كذلك من القلق أو الاكتئاب من أولئك الذين يمرّون بمرحلة الهدأة (الخمود). ومع ذلك فما أنْ استكانَ الالتهاب المُصاحب لهذا الانتكاس حتى انحسر الشعور بالقلق أو الاكتئاب كذلك. كما اكتشف الباحثون أنّ الأشخاص الذين أظهر التصوير الرنيني المغنطيسي إصابتهم بآفات جديدة، ولكن لم تظهر عليهم أعراض بدنية أو سريرية، كانوا أكثر احتمالاً للتعرّض لحالةٍ من القلق أو الاكتئاب.

وقد قاس الباحثون مستويات السايتوكينات، التي تحفّز الالتهاب، في السائل الذي يحيط بالدماغ والحبل الشوكي (السائل الدماغي النخاعي). وعند الأشخاص الذين يمرّون بانتكاسٍ، وُجد أنّ مستويات الإنترلوكين-2 (IL-2) كانت أعلى لدى الأشخاص الذين عانوا أيضاً من القلق، وأنّ مستويات عامل نخر الورم ألْفا (TNF-alpha) والإنترلوكين-1بيتا (IL-1beta) كانت أعلى عند الأشخاص الذين أشاروا إلى مرورهم بأعراض اكتئاب.
كما وجدوا أيضاً أنّه عند الأشخاص في طور الهدأة، كانت المستويات المرتفعة من الإنترلوكين-2 (IL-2) قادرة على التنبّؤ بوجود انتكاسٍ في الأشهر الستة التالية. وعلى نحو مماثل، كان أولئك الذين ظهرت عليهم أعراض القلق أكثر احتمالاً بأن يتعرّضوا لانتكاسٍ لاحق.

وكثيراً ما كانت تُعدّ الاضطرابات المزاجية لدى الشخص ذي التصلّب المتعدد على أنها نتيجةً لإدراك التصلّب المتعدد والتغيّرات الحاصلة في نواحي العجز. ومع ذلك فإنّ هذا البحث يسلّط الضوء على أنّ هذه العلاقة قد تكون أكثر تعقيداً وأنّ التغيّرات الكيميائية المُصاحبة للالتهاب في الدماغ قد تسبّب أيضاً الاضطرابات المزاجية.

وقد تُفضي هذه النتائج إلى تطوير الاختبارات التي تُحدد واصِمات الالتهاب هذه. إذا كان الالتهاب موجوداً، فقد يصبح أطباء الأعصاب المُعالِجون ومَرضاهم أكثر يقظةً في مراقبة الاضطرابات المزاجية ومعالجتها. وكذلك، عندما يبدأ المريض بالشعور بأعراض القلق أو الاكتئاب، فقد يشير ذلك إلى حدوث التهابٍ في الدماغ أو الحبل الشوكي وقد يتنبّأ بظهور آفات جديدة أو بحدوث انتكاس.