أُجريَت تجربة سريرية صغيرة لدواء فيومارات الكليماستين، وهو دواء للحساسية شائع الاستخدام مُتاح دون وصفة، على أشخاص ذوي تصلّب متعدد، وقد أظهرت دليلاً مثيراً على إصلاح الميالين (النخاعين).

وقد أجرى التجربة الدكتور آري غرين والبروفيسور جوناه تشان وزملاؤهما في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، ونُشرت النتائج الأسبوع الماضي في المجلة الطبية الشهيرة “ذا لانسيت”.
وقد كانت الآثار السريرية للتجربة متواضعة، غير أنها المرة الأولى التي تُظهر فيها تجربةٌ سريريةٌ لإصلاح الميالين فعالية لدى الأشخاص من ذوي التصلّب المتعدد.

ففي حالة التصلّب المتعدد، تتعرّض أغلفة الميالين التي تحيط بألياف الأعصاب في الدماغ والحبل الشوكي والأعصاب البصرية للتلف بفعل جهاز المناعة. ويُساعد الميالين الأعصاب في توصيل إشاراتها الكهربائية بطريقة سريعة وفعّالة. ويؤدي التلف في الميالين إلى إبطاء إرسال الإشارات بصورة كبيرة، وينتج عن ذلك كثيرٌ من الأعراض العصبية المختلِفة للتصلّب المتعدد.

تم التعرف على الكليماستين كعلاج محتمل لإصلاح الميالين في دراسة مهمّة نُشرت في عام 2014    بواسطة البروفيسور تشان وزملائه. وعمل أفراد الفريق على تطوير مسح اختباري عالي الوتيرة، مما سمح لهم بمتابعة الآلاف من جزيئات الدواء في نفس الوقت لمعرفة ما إذا كانت هذه الجزيئات قادرة على تعزيز نمو الميالين في المختبر.

وقد وُجد أنّ هذا المنهج في تعريف و”إعادة تحديد الغرض” من الأدوية الموجودة هي طريقة لتسريع عملية تطوير العقاقير اللازمة لإصلاح الميالين والمرض المترقّي إذ أن هذه الأدوية قد سبق أن خضعت لفحص مدى أمانها وتم اعتماد تناولها لمعالجة أمراض أخرى.

في التجربة السريرية، خضع 50 شخصاً من المتعايشين مع التصلّب المتعدد لمدة تتراوح بين 5 أعوام إلى 15 عاماً للمعالجة بتجربة “تبادلية”. فقد تلقّى 25 شخصاً أقراص الكليماستين لمدة 90 يوماً ثم تلقّوا دواءً وهمياً أو قرصاً وهمياً لمدة 60 يوماً. بينما تلقّت المجموعة الثانية الدواء الوهمي لمدة 90 يوماً ثم الكليماستين لمدة 60 يوماً. ولم يعرف المشاركون والأطباء المسؤولون عن تقييم التجربة أي دواء كانوا يتلقونه ومتى، لتفادي أي تحيز في النتائج. وتابع 92% من المرضى تناول علاجهم المعتاد الخاص بالتحوير المناعي للتصلّب المتعدد أثناء التجربة، ولكن لم يُسمح لهم بتناول عقاقير أخرى قد تؤثّر على الإشارات العصبية أو إصلاحها مثل أدوية الفامبريدين أو البيوتين.

واستخدم الباحثون اختباراً لسرعة التوصيل العصبي تُعرف باسم الإمكانات المستحثّة بصرياً، أو VEP، لتقييم مدى فعالية الدواء. ويستخدم الاختبار أنماطاً بصرية لتحفيز الأعصاب في شبكيّة العين.
في المجموعة الأولى، كانت سرعة النقل العصبي أسرع بصورة كبيرة بعد المعالجة بدواء الكليماستين مما كان عليه الوضع عند بداية التجربة وبالمقارنة بالمجموعة التي تلقّت الدواء الوهمي. وقد استمرّت هذه النتيجة أيضاً طيلة الفترة التي تلقّت فيها المجموعة الدواء الوهمي. وتم ملاحظة نتائج مشابهة لدى المجموعة الثانية، مع زيادة في سرعة النقل العصبي بعد تناول الكليماستين. وتشير هذه النتائج إلى أنّ إصلاح الميالين قد حدثَ بالفعل إذ أنّ الميالين يُساعد الأعصاب في نقل الإشارات بصورةٍ أسرع.

ومع ذلك، فقد بدا أنّ الاختبار السريري لقياس الحدّة البصرية والقدرة على قراءة الأعداد أو الأحرف في ظروف ضعيفة التباين قد أظهر بعض التحسّن، غير أنه لم يصل إلى درجة الأهمية الإحصائية المطلوبة لمنح الباحثين الثقة في هذه النتيجة.

وقد كانت قياسات التصوير بالرنين المغنطيسي لعرض الميالين المتماسك في الدماغ غير قادرة على إظهار أي اختلافات عقب المعالجة بالكليماستين، كما لم تُشاهد أي تحسّنات في القدرة على المشي.
وتعتبر أحد الجوانب التي تستدعي الاهتمام تجاه هذا الدواء هو احتمال تسببه بآثار عكسية على الإدراك (القدرة على التفكير) حيث أظهرت عقاقير مشابهة تعطيل التفكير عند الأشخاص الكبار في السّن. ولم يُظهر اختبارٌ أُجريَ في التجربة لفحص القدرة على التفكير أي تأثيرات للكليماستين على الإدراك لدى الأشخاص من ذوي التصلّب المتعدد.

ويُعد الكليماستين دواءً قديماً مضاداً للهستامين، وقد يسبب النعاس مثل كثيرٍ من هذه الأدوية. وقد كان الإجهادُ المتزايد في أثناء تناول العلاج النشط هو الأثرَ الجانبي الأكثر شيوعاً الذي تعرّض له المشاركون.
وكانت جرعة الكليماستين المُستخدمة في التجربة أكبر من الجرعة الموصى بها لعلاج الحساسية، وهناك حاجة لبذل مزيد من الجهد لمعرفة أفضل مقدار للجرعة الخاصة بعلاج إصلاح الميالين، ومدة استمرارية العلاج، والتوقيت الأنسب لاستخدام العلاج خلال مسار المرض.

ولا بُد من الإجابة عن هذه الأسئلة في التجارب السريرية اللاحقة، غير أن هذه النتائج المدهشة توفّر أول دليلٍ على قدرة دواءٍ ما في تحفيز إصلاح الميالين لدى الأشخاص من ذوي التصلّب المتعدد.