يُعد الدماغ بيئة محمية. وبطبيعة الحال، يقوم الحاجز الدموي الدماغي بمنع وصول الخلايا المناعية إلى الدماغ، وهو ما يحافظ عليه من التلف. لكن الأبحاث الجديدة كشفت عن آلية تستخدمها الخلايا المناعية للوصول إلى الدماغ في حالات التصلب المتعدد، وهو ما سيمثل هدفًا جديدًا للعلاج.

يُعد الدماغ أحد أعضاء الجسم البشري الأشدّ حمايةً. فهو لا يتمتع فحسب بطبقة وقائية عظمية صلبة، وهي الجمجمة؛ ولكنه أيضًا يحتمي بالحاجز الدموي الدماغي. هذا الحاجز يسمح بشكل انتقائي بوصول أشياء معينة إلى الدماغ، بينما يمنع الأشياء الأخرى من الدخول.

يتكوّن هذا الحاجز من خلايا تسمى الخلايا الظهارية. وتتضام هذه الخلايا إلى جانب بعضها بعضاً بدرجة كبيرة لتكوّن ما يسمى بالتقاطعات الضيقة – وهي هياكل تشبه الجسور بين الخلايا تمنع أي شيء من التسرب من بينها. لكن بعض البوابات والمستقبلات الخاصة على أسطح الخلايا تسمح لبعض الأشياء بالمرور – فهي على سبيل المثال تسمح بمرور المواد المغذية إلى الدماغ وتصرف المواد الزائدة إلى خارج الدماغ.

وفي حالة التصلب المتعدد، يعتقد بأنه يحدث خلل في هذا الحاجز يسمح بمرور الخلايا المناعية إلى الدماغ. وبالتالي تقوم هذه الخلايا المناعية بمهاجمة الميالين الواقي الذي يغطي الخلايا العصبية، وهو ما يؤدي إلى ظهور أعراض التصلب المتعدد. وبذلك، فإنّ منع الخلايا المناعية من المرور عبر الحاجز الدموي الدماغي يمكن أن يمثل علاجًا للتصلب المتعدد – ولعل دواء ناتاليزوماب (تيسابري)، وهو أحد أدوية التصلب المتعدد، يعتمد هذه المنهجية.

ومن المعروف أن نوعين مختلفين من الخلايا المناعية، هما خلايا Th1 وخلايا Th17، يمثلان أهمية في الهجوم على الميالين في حالات التصلب المتعدد. ولكن الجزء الهام في لغز الإصابة بالتصلب المتعدد هو معرفة ما ينظّم دخول هذه الخلايا المناعية إلى الدماغ في المقام الأول.

وفي هذا الصدد، أظهرت مؤخرًا الأبحاث التي أجرتها سارة لوتز، في كلية طب شيكاغو، جامعة إيلينوي، أنّ هذين النوعين من الخلايا المناعية يصلان إلى الدماغ عن طريق مسارين مختلفين.

آلية هامّة

في هذه الدراسة، التي نشرت في دورية Cell، درس العلماء عددًا من الحيوانات المصابة بأمراض مشابهة للتصلب المتعدد. وفي هذه الحيوانات، جعل العلماء أحد بروتينات التقاطعات الضيقة وهّاجًا كي يمكن رؤيته تحت المجهر. ووجد العلماء أنه في بداية المرض، تفككت التقاطعات الضيقة، وهو ما سمح لخلايا Th17 بالدخول إلى الدماغ.

وبعد بضعة أيام، بدأت الخلايا المناعية من نوع Th1 بدخول الدماغ، ولكن عبر آلية مختلفة. فقد دخلت هذه الخلايا عبر بوابة خاصة على الخلايا تسمى كُهيفات. وُتعد هذه الخلايا أشبه بتكهّف صغير للغاية من غشاء الخلية يكوّن جيبًا أو رزمة تتحرك عبر الخلية وإلى داخل الدماغ. تُستخدم هذه الآلية في العادة لنقل الإشارات المتعددة عبر الحاجز الدموي الدماغي، ولكن يبدو أنها اختُطفت بواسطة خلايا Th1.

وعندما درس الباحثون الحيوانات التي حدثت لديها طفرة جينية في بروتين يسمى caveolin، والذي يساعد في تكوين الجيوب أو الرزم الصغيرة، وجدوا أن خلايا Th1 مُنعت من الدخول إلى الدماغ والحبل الشوكي. وقد أكد هذا الأمر أن هذه الآلية تعد ضرورية للمساعدة في نقل خلايا Th1 عبر الحاجز الدموي الدماغي.

وتبرز هذه الدراسة الآلية التي تتمكن من خلالها بعض الخلايا المناعية من الانتقال عبر الحاجز الدموي الدماغي، وهو ما يسمح لها بمهاجمة وإتلاف غشاء الميالين الموجود على الخلايا العصبية. وبالرغم من كونها دراسة علمية أولية ومبكرة، إلا أن هذه الدراسة تشير إلى إمكانية وجود آلية فعالة للعلماء للعمل على منع نوبات التصلب المتعدد.

شكر خاص لجمعية أبحاث التصلب المتعدد في أستراليا – المصدر الرئيسي لملخصات الأبحاث على موقعنا الإلكتروني.