إنّ تراكم الأدلة التي تشير إلى أن العلاج المبكر يمكن أن يؤدي إلى الوصول لنتائج أفضل على المدى البعيد للأشخاص ذوي التصلّب المتعدد يبرز أهمية التشخيص المبكر. ومع ذلك، يجب توخي الحذر عند التعامل مع مسألة التشخيص المبكر لضمان الوصول إلى التشخيص الصحيح ولتجنب حدوث أي خطأ في التشخيص أو إعطاء علاج غير مناسب للأشخاص الذين لا يعانون من التصلّب المتعدد.
في عام 2001، وُضع معيار قياسي لتشخيص التصلّب المتعدد من خلال إنشاء معايير ماكدونالد. تساعد هذه المعايير أطباء العيادات في التعرف على التصلّب المتعدد بسرعة واستبعاد أي حالات أخرى. وأعيد استعراض المعايير عدة مرات منذ عام 2001 ونُشرت مراجعة 2017 الآن في المجلة الطبية الشهيرة The Lancet Neurology. ويُعد هذا هو أول تطبيق رسمي للمراجعات التي أُجريت على المعايير منذ نشرها لأول مرة.

تولّت عملية تحديث معايير ماكدونالد المتعلقة بالتشخيص لجنة دولية مكونة من أطباء الأمراض العصبية الخبراء في التصلّب المتعدد. وراجع الخبراء المعايير الموجودة وأحدث التطورات العلمية التي طرأت على فهمنا لطبيعة التصلّب المتعدد، مع التحسينات التي شهدتها التكنولوجيا المستخدمة في تشخيص التصلّب المتعدد. ولا يغيّر هذا التحديث بشكل كبير في طريقة تشخيص التصلّب المتعدد؛ ولكنه بالأحرى يشذّب جوانب معينة من المعايير، ويدمج أحدث الأدلة على مواضع الآفات التي تساعد في تشخيص التصلّب المتعدد بصورة مبكرة ودقيقة قدر الإمكان، وتقليل مخاطر التشخيص الخاطئ في الوقت نفسه.

ولكن لا توجد بعد خاصية سريرية واحدة أو اختبار واحد يمكنه توفير تشخيص للتصلّب المتعدد بشكل محدد، وقد أكدت اللجنة على أن تشخيص التصلّب المتعدد يتطلب التكامل بين المعلومات السريرية وأساليب التصوير والاختبارات المعملية بكل عناية.

ويعتمد تشخيص التصلب المتعدد بصورة سريرية مؤكدة على مبدأ “الانتشار في المساحة وبمرور الزمن”. يعني هذا أنه يجب وجود دليل على “النوبات” المتعددة و/أو إثبات وجود آفات في الدماغ بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي والتي تكون موزعة (منتشرة) بدنياً في مواضع مختلفة من الدماغ والحبل الشوكي، وكذلك توفر دليل على حدوث آفات جديدة بمرور الوقت.

إرشادات أكثر وضوحًا

توفّر المعايير المعدلة إرشادات أكثر وضوحًا تتعلق بعدد ومواضع الآفات التي يمكن أن تُعطي دليلاً على الانتشار في المساحة وبمرور الزمن. ويمكن أن تُدرج فيها اليوم الآفات في جذع الدماغ أو الحبل الشوكي التي تتسبب في أعراض التصلّب المتعدد (المصحوبة بأعراض)، وكذلك الآفات غير المرتبطة بأعراض (غير المصحوبة بأعراض). وعلى الرغم من صعوبة اكتشاف الآفات في صور الرنين المغناطيسي التقليدية، فإن الآفات التي تحدث في قشرة الدماغ، أي الجزء الرمادي الخارجي من الدماغ، يمكن أن تُعطي أيضًا دليلاً على الانتشار في المساحة.

إنّ المعايير المعدلة تعمل كذلك على إحياء دور تحليل السائل الذي يحيط بالدماغ والحبل الشوكي (السائل الدماغي النخاعي) في تشخيص التصلّب المتعدد. ففي التصلّب المتعدد، من الشائع العثور على أجسام مضادة في السائل الدماغي النخاعي والتي تظهر على شكل نمط أشرطة مميز معروف باسم الأشرطة قليلة النسائل. ومع انتشار الاستعانة بصور الرنين المغناطيسي في تشخيص التصلّب المتعدد، أصبح تحليل السائل الدماغي النخاعي (والمعروف أيضًا باسم البزل القطني) أقل شيوعًا. ومن خلال مراجعات 2017، يمكن للأشرطة قليلة النسائل أن تحل محل الآفات لتوضيح مدى الانتشار بمرور الوقت لدى شخص لديه مؤشرات سابقة محتملة للإصابة بالتصلّب المتعدد، والمعروفة على أنها أعراض المتلازمة السريرية المعزولة (CIS)، والتي تتفق أيضًا مع معايير التصوير بالرنين المغناطيسي للانتشار في المساحة.

وفي حين أن الأشرطة قليلة النسائل ليست فريدة في حالة التصلّب المتعدد فقط، إلا أنها تساند التشخيص إذا كانت الخصائص السريرية وصور الرنين المغناطيسي غير قاطعة. وعلى نحو مماثل، لا يؤدي غياب الأشرطة قليلة النسائل إلى استبعاد احتمال الإصابة بالتصلّب المتعدد، ولكن بعض نتائج السائل الدماغي النخاعي الأخرى، مثل زيادة تركيز البروتين أو وجود خلايا معينة، يمكن أن يشير إلى أمراض أخرى.

مجاميع مختلفة من السكان

بما أن معايير ماكدونالد الأصلية كانت تستند بدرجة كبيرة إلى أدلة مستخلصة من أبحاث أُجريت على أفراد بالغين من سكان أوروبا وأمريكا الشمالية، فقد راجعت اللجنة كذلك استخدام المعايير على مجاميع مختلفة من السكان. واستنتجت اللجنة عدم وجود دليل يمنع تطبيق معايير ماكدونالد على الأطفال أو السكان في آسيا أو الشرق الأوسط أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا. ومع ذلك، فقد دعت إلى التحلّي باليقظة والحذر خاصةً عند استبعاد اضطرابات التهاب النخاع والعصب البصري ذات الصلة، والتي يمكن أن تكون أكثر شيوعًا في بعض هذه المجاميع السكانية.

قطعت هذه المراجعات التي أُجريت عام 2017 على معايير ماكدونالد شوطًا كبيرًا في المساعدة على تحقيق التوازن الذي توجد حاجة ملحة له بين التشخيص السريع للتصلّب المتعدد وتجنب الوصول إلى تشخيص خاطئ. كما راجعت اللجنة الدليل الناشئ في أدوات التشخيص الإضافية، التي ستواصل بلا شك في المراجعات القادمة في تحسين عملية التشخيص وتقليل التأثير طويل المدى على الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد.

شكر خاص لجمعية أبحاث التصلب المتعدد في أستراليا – المصدر الرئيسي لملخصات الأبحاث على موقعنا الإلكتروني.