ربما تقدم الدراسة اليابانية الجديدة التي نُشرت مؤخرًا في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature communications) أدلة هامة حول كيفية وسبب تصرف بعض خلايا الجهاز المناعي بشكل مختلف في حالات التصلّب المتعدد.

في حالات التصلّب المتعدد، يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ خلايا الدماغ والحبل الشوكي في عملية تُعرف باسم المناعة الذاتية. إن تحديد الطريقة التي تقوم من خلالها الخلايا المناعية بتنفيذ هذا الهجوم أمر هام، حيث يمكن أن تزود الباحثين بأهداف جديدة قادرة على منع حدوث عملية المناعة الذاتية أو تغييرها.

الخلايا التائية

هناك طريقتان تختلف فيهما استجابة الجهاز المناعي في حالات التصلّب المتعدد. أولهما أن تبدأ الخلايا المناعية التائية المساعدة (المعروفة باسم Th1 وTh17)، والتي عادةً ما تستجيب لوجود عدوى في الجسم، في مهاجمة الخلايا السليمة. والطريقة الثانية أن نوعًا آخر من الخلايا المناعية، والمعروفة باسم الخلايا التائية التنظيمية والتي عادةً ما تقوم بتثبيط عمل الخلايا التائية المساعدة، يكون مختلفًا في الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد. تكون الخلايا التائية التنظيمية أقل عددًا ولا تعمل بشكل جيد في الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد. ومع ذلك، فإن كيفية وسبب حدوث انخفاض الخلايا التائية التنظيمية وتصرفها بشكل مختلف في الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد ليس واضحًا حتى الآن.

في هذه الدراسة الجديدة، قام باحثون من المركز الوطني للأعصاب والطب النفسي في اليابان بفحص دور جزيئات معينة، وهي جزيئات الحمض الريبي النووي المصغّر (الميكرو رنا)، في حالات التصلّب المتعدد. جزيئات الحمض الريبي النووي المصغّر هي أجزاءً قصيرة من الحمض الريبي النووي (RNA)، وهو مادة تشبه الحمض النووي (DNA) التي تنظم نشاط الجينات داخل الخلايا. ويمكن أن تعمل بمثابة مفاتيح للجينات، بأن تخبر الخلايا بضرورة استخدام جينات معينة أو عدم استخدامها في وقت معين. ويمكن للخلايا أن تفرز جزيئات الحمض الريبي النووي المصغّر في حزم صغيرة تعرف باسم الإكسوسومات (exosomes)، كوسيلة للتواصل بين الخلايا.

ودقق الباحثون النظر في الإكسوسومات الموجودة في دم الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد وقارنوها بعينات مأخوذة من غير المصابين بالتصلّب المتعدد. واكتشف الباحثون أن الإكسوسومات المأخوذة من الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد قلّلت من نمو الخلايا التائية التنظيمية في أطباق المختبر، في حين لم يكن للإكسوسومات المأخوذة من غير المصابين بالتصلّب المتعدد أي تأثير.
جزيئات الحمض الريبي النووي المصغّر (الميكرو رنا)

كان من المرجح أن يكون عمل الإكسوسومات على الخلايا التائية التنظيمية راجعًا إلى جزيئات الحمض الريبي النووي المصغّر التي تشتمل عليها الإكسوسومات. لذلك قام الباحثون بعد ذلك بتصوير جزيئات الحمض الريبي النووي المصغّر التي تشتمل عليها الإكسوسومات. وتوصل الباحثون أن جزيئات الحمض الريبي النووي المصغّر التي تشتمل عليها الإكسوسومات لدى الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد كانت مختلفة تمامًا عن تلك الموجودة في الأشخاص غير المصابين.

وعلى وجه الخصوص، بدا أحد جزيئات الحمض الريبي النووي المصغّر مسؤولًا عن الحد من نمو الخلايا التائية التنظيمية. هذا الحمض الريبي النووي المصغّر، الذي يسمى “let-7i”، كان أكثر توافرًا في الإكسوسومات لدى الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد. وعندما أضيف هذا الحمض الريبي النووي المصغّر مباشرة إلى الخلايا التائية التنظيمية في طبق مختبري، تباطأ نمو تلك الخلايا. الأهم من ذلك، أنه عند إضافة المزيد من هذا الحمض الريبي النووي المصغّر أو منعه، يقل نمو الخلايا أو يزداد تبعًا لذلك.
كما تمكن الباحثون من إظهار أن الحمض الريبي النووي المصغّر المسمى “let-7i” يتصرف بمثابة مفتاح جيني لجزيئين في الخلايا المناعية، وكلاهما يتحكم في تطوير الخلايا التائية التنظيمية في  الجهاز المناعي.

وقد تبين من خلال هذا العمل الهام أن “let-7i”، إلى جانب هذين الجزيئين، يعملان معًا لتسوية الاختلافات التي تظهر في الخلايا التائية التنظيمية لدى الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد – وهي إحدى عمليات المناعة الذاتية الرئيسية التي تؤدي إلى الإصابة بالتصلّب المتعدد.

ويقدم هذا العمل رؤى قيمة حول آلية ضرورية من شأنها أن تساعد في إبقاء خلايا المناعة الذاتية تحت السيطرة وكيفية اضطراب عمل هذه الآلية في الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد.

شكر خاص لجمعية أبحاث التصلب المتعدد في أستراليا – المصدر الرئيسي لملخصات الأبحاث على موقعنا الإلكتروني.