ولم تكشف بحوث التصلّب العصبي المتعدد بعد عن دور الأجزاء المختلفة من جهاز المناعة في التصلّب العصبي المتعدد. غير أن العلماء قد اكتشفوا في دراسة جديدة وجود تفاعل معقّد بين الخلايا البائية والتائية الذي قد يساهم في التصلّب العصبي المتعدد.

إنّ جهاز المناعة هو أشبه بقوة عسكرية جيّدة التنظيم، ولديها عدة فروع (مثل القوة الجوية والبرية والبحرية) وتلعب كل منها دورها الخاص.  وفي جهاز المناعة، تكون هذه الفروع هي الخلايا البائية والخلايا التائية، التي يمكن أن تنقسم أيضاً إلى مجموعات أكثر تخصصاً.

في التصلّب العصبي المتعدد، تُخطئ هذه القوة العسكرية الهائلة في التعرف على أجزاء من الجسم وتهاجمها باعتبارها أجساماً غريبة غازية. إنّ طريقة حدوث ذلك غير مفهومة تماماً، وقد أجريت بحوث كثيرة لمعرفة ما الذي يخرج عن وضعه بالضبط ليتسبب بحشد وسائل جهاز المناعة ومهاجمة الدماغ والحبل الشوكي.

هناك عدد من الجينات عُرضةٌ للإصابة بالتصلّب العصبي المتعدد ويُعرف بأنها تلعب دوراً في جهاز المناعة – وعلى وجه الخصوص الجين الذي يتعرض لخطر قوي بالإصابة والمعروف باسم مستضد الكريات البيضاء البشري من النوع HLA-DR. يُستخدم هذا الجين بواسطة مجموعة متنوعة من خلايا جهاز المناعة لتوضيح الأهدافٍ كي يُهاجمها جهاز المناعة. وتعرض الخلية الجسم الذي يُلقّب بالجسم الغازي على سطح خليتها، لتُظهر لبقية جهاز المناعة الهدف المُراد مهاجمته وبالتالي تجهيز جهاز المناعة لمحاربة الغازي.

هناك نوعٌ من الخلايا التي تنفّذ هذه العملية وهي خليةٌ بائية. فحالما تجد خليةٌ بائية جسماً غازياً تتفكك الخلية وتستعين بجينات المستضدات HLA-DR لعرض هذا الجسم الغازي على سطح خليتها. وعادةً كان يتم إغفال دور الخلايا البائية في كونها الخلايا المسببة للتصلّب العصبي المتعدد. ولكن، مع النجاحات المتحققة مؤخراً في العلاجات التي تستهدف الخلايا البائية مثل دواء “أوكريڤوس” (Ocrevus) بات من الواضح أنّ الخلايا البائية تلعب دوراً هاماً. ومع ذلك لا تزال هناك أسئلة حول الدور الدقيق الذي يلعبه كل نوع خلية وكيف تؤدي أنواع الخلايا هذه إلى ظهور التصلّب العصبي المتعدد.

دراسة خلايا جهاز المناعة

في دراسة جرت مؤخراً ونُشرت في المجلة المرموقة للغاية “الخلية” Cell، بحثت مجموعة من العلماء في خلايا جهاز المناعة (الخلايا البائية والتائية معاً) في دم الأشخاص المصابين بالتصلّب العصبي المتعدد وغير المصابين به، وقاسوا مدى نشاط تلك الخلايا وانتشارها حتى في غياب أي التهاب (أي حيثما لا يوجد جسم غريب لمهاجمته). وأظهرت النتائج أن الأشخاص المصابين بالتصلّب العصبي المتعدد يُحتمل أكثر أنه كانت لديهم خلايا جهاز مناعي نشِطة وقيد النمو وأن درجة النشاط والنمو كانت أكبر مما يوجد لدى الأشخاص ذوي حالات المناعة الأخرى، مثل داء الصدفية أو داء كرون.

بحث العلماء بعد ذلك في نوع خلايا جهاز المناعة التي يتزايد انتشارها ويظهر بأنها نشِطة. ووجدوا أنّ نحو 25 في المائة من هذه الخلايا كانت خلايا بائية ونحو 45 في المائة كانت خلايا تائية. ولتحديد دور الخلايا البائية، نزعوا تلك الخلايا تجريبياً وفحصوا التداعيات المترتبة عن ذلك على الخلايا التائية. وأظهرت النتائج أن الخلايا البائية كانت تُرسل إشارات إلى الخلايا التائية لتكون نشِطة، وكأنها تُخبر الخلايا التائية بأن الجسم كان يتعرّض لهجوم، على الرغم من عدم وجود التهاب.
وأظهر العلماء أيضاً أن خلايا جهاز المناعة التي احتوت على كمية أكبر من جين التصلّب العصبي المتعدد (HLA-DR) يُحتمل أكثر بأنها كانت نشِطة ومتكاثرة. وكما ذُكر أعلاه، يوجد الجين (HLA-DR) على الخلايا البائية ويُساعد في إرسال إشارة إلى الخلايا التائية لتصبح نشِطة. وحين حجب العلماء تلك الإشارة، تمكنوا من إعاقة تنشيط الخلايا التائية، مما أظهر طريقةً من الطُرق التي يلعب فيها هذا الجين الذي يحمل خطر الإصابة بالمرض دوراً.
هياكل البروتينات

لعدم وجود التهاب، ظلّ العلماء يواجهون السؤال المتمثل في ماهية الشيء الذي كانت خلايا جهاز المناعة تستهدفه في الهجوم. وعند فحص البروتينات على سطح الخلايا التائية، أظهر العلماء أن هذه الخلايا التائية المنشّطة في الدم كانت تتعرّف على هياكل البروتينات التي تنتجها الخلايا البائية إلى جانب الخلايا العصبية في الدماغ. ويعني ذلك على وجه الاحتمال أن الخلايا التائية حين ترى هذا البروتين على الخلايا البائية تُقرّر أنها أجسام مُعادية وتُرسل إشارة إلى كامل جهاز المناعة لشنّ هجومه. وبما أنّ البروتين تُنتجه الخلايا العصبية، فإذا دخلت هذه الخلايا داخل الدماغ فسوف تتعرّف على نفس البروتين على الخلايا الدماغية وتهاجمه، اعتقاداً منها بأنه جسم مُعادٍ.

إن هذه الدراسة شاملةٌ للغاية، وقد حدَّدت بعض الأدوار التي تلعبها خلايا وجزيّئات مختلفة من جهاز المناعة في ظهور التصلّب العصبي المتعدد. وتجدُ صلةً بدور أحد الجينات المتعرّضة لخطر الإصابة بالتصلّب العصبي المتعدد، وتفسّر كيفية تفاعل القوى المختلفة لجهاز المناعة لإنتاج الاستجابة المناعية التي تُرى في التصلّب العصبي المتعدد. فإذا ما استطعنا حجب التنسيق في جهاز المناعة، قد ينتج عن ذلك تأثير مشابه لتعطيل التواصل بين الفروع المختلفة لعمليةٍ عسكرية، ونمنع بالتالي الهجوم المنسّق الذي يُفضي إلى ظهور التصلّب العصبي المتعدد.

شكر خاص لجمعية أبحاث التصلب المتعدد في أستراليا – المصدر الرئيسي لملخصات الأبحاث على موقعنا الإلكتروني.