اكتشف العلماء آليّة أساسية يتم من خلالها تلف خلايا الدماغ في حالة التصلّب المتعدد، وهو ما يؤكد وجود رابط بين الالتهاب والتنكّس العصبي. ويشير البحث أنّه في حالة التصلّب المتعدد، يمكن لخلايا الدماغ أن تتعرّض لعمليةٍ تُعرف باسم موت الخلية الحيّة المُبرمَج المحموم، أو ’الموت المحموم‘. وأظهر عقار يُسمى VX-765 قدرته على منع موت الخلايا، مما يشير إلى احتمالية استخدامه كطريقةً لحماية خلايا الدماغ في حالة التصلّب المتعدد

في حالات التصلّب المتعدد، يتعرّض غلاف الميالين الواقي للخلايا العصبية في الدماغ أو الحبل الشوكي للتلف بفعل جهاز المناعة، مما يمنع انتقال الإشارات بكفاءة من خلال الألياف العصبية وقد يعرّض تلك الخلايا لأضرار قد تصل إلى الموت. ويُعدّ موت الخلايا في الدماغ والحبل الشوكي – والذي لا يقتصر على الخلايا العصبية فحسب، بل يمتد لخلايا الدماغ الأخرى أيضاً، مثل الخلايا الدبقيّة القليلة التغصّن – عاملاً مُساهماً رئيسياً في ترقّي التصلّب المتعدد. وبما أنّ الخلايا الدبقيّة القليلة التغصّن تساعد في إصلاح التلف الذي يلحق بالميالين، فإنّ فقد تلك الخلايا يُفاقم التلف ويعوق إصلاح الميالين واستعادة وظائفه.

وبناءً عليه، فقد افترض العلماء طويلاً أن منع موت الخلايا قد يخفف بعض أعراض التصلّب المتعدد وترقّيه. واليوم، تكشف دراسة جديدة عن آليّةٍ قد يتسبب الالتهاب من خلالها في موت تلك الخلايا وعن عقارٍ ربما يكون قادراً على منع موت الخلايا، مما يخفف على وجه الاحتمال بعض عمليات ترقّي الحالة.

وفي الدراسة التي نُشرت مؤخراً في المجلة المرموقة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية، تعرف العلماء على عمليةً في التصلّب المتعدد تؤدي لموت الخلايا تُسمّى ’موت الخلية الحيّة المُبرمَج المحموم‘. تُعرف تلك العملية علمياً باسم Pyroptosis، وهو مصطلح مُشتق من اليونانية ويعني “الموت المحتوم”، ويشير إلى نوعٍ من موت الخلايا الناجم عن عمليات التهابية محددة.

’حلقات النار‘

درس العلماء أولاً النسيج الدماغي المأخوذ من الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد ومن آخرين غير مصابين به، وفحصوا الخلية مجهرياً والجينات التي كانت الخلايا تستخدمها. واكتشف الفريق أنّ الخلايا الدبقيّة القليلة التغصّن والخلايا الدبقية الصغيرة (وهي خلايا مناعية دماغية) أظهرت وجود سمات موت الخلية المحموم وأن بنيتها تُماثل ’حلقات النار‘. تشكّل هذه الحلقات مسامات في الخلايا تتسرّب منها الإشارات الالتهابية للخارج، وتعمل على إدامة ونشر الإشارات الالتهابية إلى الخلايا المجاورة قبل أن تموت هي نفسها. وقد لوحظ وجود هذه الآليّة في مرض ألزهايمر، والصدمات الدماغية وإصابات الحبل الشوكي والصرع. غير أنّه لم يتم إجراء دراسة كاملة لطريقة عملها في الدماغ بصورة دقيقة. وهذه هي أول مرّة يتم خلالها فهم العملية الكاملة لموت الخلية المحموم.

وكان الأمر الأكثر أهمية هو تمكّن العلماء بعد ذلك من منع حدوث الموت المحموم في الخلايا التي نمت في المختبر باستخدام عقارٍ يُعرف باسم VX-765، وهو عقار يخضع للتجارب السريرية حالياً ويهدف لمعالجة الصرع، ويمنع بالتالي موت الخلية. وعند إعطاء عقار VX-765 إلى الفئران المصابة بمرض شبيه بالتصلّب المتعدد، أظهرت الفئران تحسناً سريعاً في الأعراض العصبية التي ظهرت عليها، مما يوحي أنّ منع موت الخلية قد حسّن من نتائج المرض.

وكشفت هذه الدراسة لأول مرّة إحدى الآليّات الأساسية التي يمكن لالتهاب التصلّب المتعدد بواسطتها أن يحفّز عملية موت الخلايا. وبينما تتعرّض الخلايا للعملية المشار إليها، يبدو أن هذه العملية تؤدي أيضاً إلى استمرار وجود الإشارة الالتهابية. وحيث إنّ العقار VX-765 كان قادراً على منع التنكّس العصبي، وقد ظهر هنا أنه يحمي الحبل الشوكي من الالتهاب عند الحيوانات المصابة بمرض شبيه بالتصلّب المتعدد، فإنّ هذا الأمر يفتح الاحتمالات لإمكانية استخدام العقار في معالجة التصلّب المتعدد.

شكر خاص لجمعية أبحاث التصلب المتعدد في أستراليا – المصدر الرئيسي لملخصات الأبحاث على موقعنا الإلكتروني.