تبادُل البيانات في إبان جائحة “كوفيد-19”

لقد أسفر ظهور جائحة “كوفيد-19” عن تغيّرات في إتاحة سُبل المعالجة الطبية، وأثار أسئلةً عن مدى تأثيره على الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد وحالة الغموض حول أنحاء العالم. وفي أمريكا اللاتينية لم تكن هناك سوى قليل من البيانات حول “كوفيد-19” والأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدِّد، حتى الآن… إذ سعى عددٌ متنامٍ من الدراسات إلى التصدي للثغرات القائمة في المعلومات، مع تعاون الخبراء في عموم أنحاء المنطقة من أجل جمع البيانات والتوصّل إلى إجابات.

في نيسان/أبريل 2020، تضافر الاتحاد الدولي للتصلّب العصبي المُتعدّد والأعضاء مع التحالف المعني ببيانات التصلّب العصبي المُتعدِّد لقيادة مبادرة تبادُل البيانات العالمية حول “كوفيد-19” والتصلّب العصبي المُتعدِّد. وعملت المبادرة على جمع وتبادُل المعلومات حول “كوفيد-19” لدى الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد من جميع أنحاء العالم بسرعة قياسية. واستُعين بالنتائج لاتخاذ قرارات عن حُسن اطّلاع في إبان الجائحة. وبكونها أكبر مجموعة بيانات للأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد ممّن أُصيبوا بمرض “كوفيد-19″، تُسانِد المبادرة المشورة العالمية بشأن “كوفيد-19” الخاصة بالأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدِّد التي يضطلع بها الاتحاد الدولي للتصلّب العصبي المُتعدّد، والتي تولّى وضعها فريقٌ دولي من الاستشاريين الخبراء.

جمعت المبادرة بين 21 مؤسسة معنيّة بالبيانات – جاءت 4 منها من أمريكا اللاتينية – وجمعت معلومات حول أكثر من 1000 شخص لديهم تصلّب عصبي مُتعدِّد من 80 بلداً. وواصل الباحثون من أمريكا اللاتينية بناء الزخم من أجل تبادل البيانات هذا، مع التوسع في البيانات المجمّعة للتوصّل إلى إجابات مُحدَّدة بالمنطقة. وقد نشرت دراستان مثل هذه نتائجهما مؤخراً، وقدّمتا معلومات جديدة حول ترقيد الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد في المستشفيات لعلاجهم من “كوفيد-19” في أمريكا اللاتينية، إلى جانب تأثير الجائحة على الرعاية السريرية.

وتتناول الجهود التعاونية مثل هذه الثغرات في البيانات الحيوية المتعلقة بأشخاص لديهم تصلّب عصبي مُتعدِّد. ويُظهر أطلس التصلّب العصبي المُتعدّد وجود اختلاف كبير في توافُر وجودة البيانات الوبائية عبر البُلدان، إلى جانب الافتقار إلى المنشورات التي تتناول توفير وإتاحة السبل إلى تشخيص الإصابة بالتصلّب العصبي المتعدد ومعالجاتها. وهذه الجهود تجعل التوصل إلى هذه النتائج في أمريكا اللاتينية أشدّ أهمية.

تغيّرات في الرعاية الصحية للأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد من أمريكا اللاتينية في إبان جائحة “كوفيد-19

تستكشف [الدراسة] الأولى التغيّرات التي طرأت على الرعاية الصحية للأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد في أمريكا اللاتينية في إبان جائحة “كوفيد-19”. وتُلقي الدراسة نظرة متعمقة على كيفية تأثُّر السُبل المتاحة إلى الرعاية الصحية، مع تحليل التغيرات في استخدام العلاجات المُعدّلة للمرض، والاختبارات المخبَرية، والرصد بواسطة التصوير بالرنين المغنطيسي، وسبل الانتفاع من خدمات إعادة التأهيل.

البيانات

جُمعت البيانات من أجل هذا البحث في مَسحٍ استقصائي يتألف من جزأين صممه باحثون من الجمعية الأرجنتينية للتصلّب العصبي المُتعدِّد. واضطلع الجزء الأول من المَسح بتجميع البيانات حسب ما نصّت عليه مبادرة تبادُل البيانات العالمية، بينما انطوى الجزء الثاني على أسئلةٍ إضافية تُركّز على التغيرات في الرعاية الإكلينيكية منذ أن بدأت الجائحة. وقد رُوّج للمَسح في عموم شبكات الاتحاد الدولي للتصلّب العصبي المُتعدّد في أمريكا اللاتينية، واستُضيفت وصلة ارتباط إلى المَسح على منصة تبادُل البيانات العالمية حول “كوفيد-19” والتصلّب العصبي المُتعدِّد. ودعمَ الاتحاد الدولي للتصلّب العصبي المُتعدّد كذلك الجمعية الأرجنتينية للتصلّب العصبي المُتعدِّد في استضافة ندوة عبر الإنترنت لقادة مؤسسات التصلّب العصبي المُتعدّد في أمريكا اللاتينية لمعرفة مزيدٍ من المعلومات عن المبادرة وطرح أسئلة على الباحثين الرئيسيين. وأظهر عدد الحضور الغفير لهذه الندوة عبر الإنترنت مقدار الطلب على هذه المعلومات في عموم المنطقة. وتألفت مجموعة البيانات النهائية من 602 فرداً من ذوي التصلّب العصبي المُتعدِّد من 16 بلداً من جميع أنحاء أمريكا اللاتينية.

النتائج

كشفت الدراسة عن تغيّرات كبيرة في الرعاية الروتينية للأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد في أمريكا اللاتينية، وذكرت وجود تغيّرات في عموم الجوانب الثلاثة للرعاية الصحية الخاصة بالتصلّب العصبي المُتعدِّد.

من بين الجوانب الثلاثة التي خضعت للفحص، جاءت التغيّرات في استخدام العلاجات المُعدِّلة للمرض أقل انتشاراً، غير أن التحوّل إليها كان واضحاً مع ذلك. وقد عمد 29 شخصاً (6.7%) ممّن يتلقّون على نحو مستمر دواءً فموياً أو عن طريق الحقن إلى وقف علاجهم، بينما عمد 16 شخصاً (18.8%) ممّن يتلقون علاجاً بالتسريب أو كلادريبين بالتسريب الوريدي إلى تأجيل العلاج. ومن بين 16 فرداً ممّن كانوا على وشك البدء بتلقّي علاج مُعدِّل للمرض، بادر 11 شخصاً (68.8%) بإرجاء العملية. وقد تأجّل الرصد المخبَري المُجدوَل للأشخاص الخاضعين للعلاجات المُعدِّلة للمرض بالنسبة إلى 29.9% من المُشاركين وعمل 32.7% من الأشخاص على تأخير الرصد بواسطة التصوير بالرنين المغنطيسي في إبان الجائحة. ومما يثير القلق رؤية التأجيلات أو الانقطاع في العلاج، إذ أنّ المعالجة المبكرة باستخدام علاجات مُعدّلة للمرض يمكنها أن تغيّر مسار التصلّب العصبي المُتعدِّد لدى الشخص وتقلل الإعاقة في المستقبل (صحة الدماغ: للوقت أهمّية في حالة التصلّب العصبي المُتعدِّد)، وتُعد الاختبارات المخبَرية وفحوصات التصوير بالرنين المغنطيسي هامّةً في رصد نجاعة العلاجات ومأمونيتها. ومن الأهمية بمكان أن تُفهم الآثار المترتبة عن هذه التحولات على المدى الطويل.

أظهرت الدراسة أنّ سُبل الاستفادة من خدمات إعادة التأهيل كانت الأشدّ تأثُّراً. فمن بين 175 شخصاً يتلقون شكلاً من أشكال إعادة التأهيل، ذكرَ 115 شخصاً (65.7%) أنهم غير قادرين على مواصلة إعادة تأهيلهم كالمعتاد. ووجد المَسح أنّ كل أنماط العلاج الخاصة بإعادة التأهيل قد تأثّرت في إبان الجائحة، غير أنّ علاجات مثل العلاج بالتمارين، والعلاج الطبيعي، والعلاج المائي قد تأثّرت على النحو الأشدّ. أما أقل أشكال إعادة التأهيل تأثراً فقد كان العلاج النفسي، ولكن حتى في هذا الجانب، ذكرَ 37.2% من الأشخاص انقطاعاً في العلاج. ومن المرجح أنّ الطلب المتزايد على خدمات إعادة التأهيل من المرضى المصابين بـ”كوفيد-19″ أو بأعراض طويلة من “كوفيد-19” يتسبب بضغط إضافي على هذه الخدمات.

لقد رأينا في إبان الجائحة زيادةً في موارد المعلومات المتعلقة بالمعيشة الصحية، وتحديداً ما يتعلق منها بالنشاط البدني، التي تُنتجها مؤسسات التصلّب العصبي المُتعدّد. ويُشير ذلك إلى فهمٍ للتغيرات في الرعاية الخاصة بإعادة التأهيل التي تعرضها هذه الدراسة. ومن أمثلة عمل مؤسسات التصلّب العصبي المُتعدّد على ملء تلك الفجوة كان نشر موردٍ حول اليوغا والتأمُّل بواسطة الجمعية الأرجنتينية للتصلّب العصبي المُتعدِّد.

أظهرت الدراسة عموماً وجود تحوّل كبير في الرعاية الروتينية الخاصة بالأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدِّد. وتقترح النتائج التي جرى التوصّل إليها أنّ السبب الرئيسي وراء هذه التغيّرات في الرعاية الخاصة بالتصلّب العصبي المُتعدِّد كانت إدارية أو تتعلق بالتأمين. واشتملت العوامل الهامّة الأخرى على القرار الخاص للمريض، وقرار أخصائي الرعاية الصحية الخاص به، وتقييدات الحركة في هذا الجانب. وكشفت نتائج الإدارة الإكلينيكية في أطلس التصلّب العصبي المُتعدّد عن وجود عوائق كبيرة أمام إتاحة الاستفادة من الرعاية، ومنها العلاجات المُعدّلة للمرض وإعادة التأهيل. وتشير هذه الدراسة من أمريكا اللاتينية إلى أنّ مثل هذه العوائق قد تضخمت بفعل الآثار التي خلّفتها جائحة “كوفيد-19”.

ترقيد الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد أو ذوي اضطراب التهاب النخاع والعصب البصري المُصابين بمرض “كوفيد-19” في المستشفى

استندت الدراسة الثانية محل الاهتمام، ’كوفيد-19‘ لدى المرضى بالتصلب العصبي المُتعدِّد واضطراب التهاب النخاع والعصب البصري في أمريكا اللاتينية‘، إلى البيانات التي جُمعت في ’سجل أمريكا اللاتينية للبيانات الخاصة بمرض “كوفيد-19” والتصلب العصبي المُتعدِّد‘، وهو سجل يخصّ أمريكا اللاتينية يضم الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدِّد أو اضطراب التهاب النخاع والعصب البصري المصابين بمرض “كوفيد-19”. ويُعد الأشخاص المُدرجون في السجل إما قد ثبتت إصابتهم جميعاً بمرض “كوفيد-19” عن طريق الاختبار، أو يُشتبه بإصابتهم بالمرض نظراً لظهور أعراض نمطية لديهم. كما يجمع هذا السجل البيانات حسب المنصوص عليه في مبادرة تبادُل البيانات العالمية حول “كوفيد-19” والتصلّب العصبي المُتعدِّد. ولكونه شريكاً في البيانات في المبادرة، فقد أُدرج ’سجل أمريكا اللاتينية للبيانات الخاصة بمرض “كوفيد-19” والتصلب العصبي المُتعدِّد‘ في تحليل البيانات العالمي الذي أُجري مؤخراً من المبادرة.

البيانات

من بين 145 شخصاً مُدرجين في السجل عند كتابة هذه الورقة، كان هناك 129 شخصاً (89%) لديهم تصلّب عصبي مُتعدِّد، بينما كان لدى الأشخاص الـ 16 الباقين (11%) اضطراب التهاب النخاع والعصب البصري. وجاءت البيانات من أشخاص في 15 بلداً في أمريكا اللاتينية، وترسم الدراسة صورةً للخصائص والنتائج الإكلينيكية لمرض “كوفيد-19” في عموم أنحاء المنطقة.

النتائج

من بين 129 شخصاً لديهم تصلّب عصبي مُتعدِّد، تطلّب 15 شخصاً (11.6%) الترقيد في المستشفى/ رعاية مركّزة، ولم يُسجّل وقوع أي وفيات. وكان معدل حالات الترقيد في المستشفى والوفيات أعلى قليلاً لدى المرضى المصابين باضطراب التهاب النخاع والعصب البصري. وحدَّدت الدراسة ثلاثة عوامل تساهم في حدّة “كوفيد-19” لدى الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد: التقدُّم في السّن، ونتيجة مقياس حالة العجز الممتد (EDSS)، ومُدّة المرض الأطوَل. وكانت هذه العوامل متفقة مع النتائج الأولى التي جرى التوصّل إليها من التحليل الذي اضطلعت به مبادرة تبادُل البيانات العالمية حول “كوفيد-19” والتصلّب العصبي المُتعدِّد.

خلافاً لبعض الدراسات الأخرى، حدّدت هذه الدراسة عدم وجود عوامل أخرى (بما فيها النوع الاجتماعي، والبدانة، واستخدام العلاجات المُعدّلة للمرض) ساهمت في ظهور نتائج أسوأ تتعلق بمرض “كوفيد-19” في مجموعة البيانات. ومع ذلك فمن الأهمية أن نشير إلى بعض القيود التي تتسم بها البيانات. ومن المحتمل أن يكون سجل أمريكا اللاتينية للبيانات الخاصة بمرض “كوفيد-19” والتصلب العصبي المُتعدِّد منحازاً نحو حالات أشد حدّة من “كوفيد-19” في أمريكا اللاتينية (ممّن تطلّبت حالتهم علاجات طبية)، وأن يُمثّل بعض البُلدان مثل البرازيل تمثيلاً ضعيفاً. علاوةً على ذلك، فإنّ الاستنتاجات حول العلاجات المُعدّلة للمرض تخفيها حقيقة عدم استخدام بعض علاجات التصلب على نحو شائع في أمريكا اللاتينية نظراً للافتقار إلى سُبل إتاحتها. ومع ذلك، تكشف الدراسة فعلاً عن معظم المعلومات الشاملة حتى تاريخه حول أثر ونتائج الإصابة بمرض “كوفيد-19” لدى الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد واضطراب التهاب النخاع والعصب البصري في أمريكا اللاتينية. وهي خطوة هامّة في سدّ الفجوة في المعلومات الإقليمية حول هذا الموضوع.

القيود والآمال من أجل المستقبل

تُعد كلا هاتين الدراستين من بين الأولى من نوعها التي تُجرى في أمريكا اللاتينية، وتوفّر معلومات حيوية حول تأثير “كوفيد-19” على الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد. وعلى الرغم من محدودية البيانات بما فيها التمثيل اللاتناسبي من بُلدان معيّنة وضعف التمثيل في بُلدان أخرى، تشكّل هذه الدراسات سابقة للعمل التعاوني في المستقبل عبر المنطقة وتُبرز الحاجة إلى تحسين القوة الإحصائية لبحوث مُشابهة. ويُعطي هذا البحث الأمل للتعاون في المستقبل ويساعد على سد الفجوة في المعرفة القائمة على البيانات في أمريكا اللاتينية.