بقلم جوانا لورسن-دوب لصالح OneNeurology بمناسبة اليوم العالمي لصحّة الدماغ. يمكن الاطلاع على المقالة الأصلية هنا. جوانا هي الاستشارية الدولية للاتحاد الدولي للتصلّب العصبي المُتعدِّد – سُبل إتاحة العلاج

هناك عدم مساواة في إتاحة سُبل الحصول على العلاجات المُعدِّلة للمرض من أجل التصلّب العصبي المُتعدد. ويمكن للتكلفة والسعر الميسّر أن يشكّلا عوامل دافعة رئيسية في تضييق أوجه عدم المساواة الصحية للناس داخل البُلدان وفي ما بينها. ويتطلب تحسين سُبل الحصول على العلاج اضطلاع المؤسسات الربحية وغير الربحية بإجراء محادثات أكثر صراحةً لخلق مجتمعات أكثر عدلاً.

إنّ المساواة هي مبدأ أخلاقي، يقوم على حقوق الإنسان، ويتوخى إزالة الفوارق المنهجية التي تؤثر على الأشخاص المحرومين اجتماعياً (1). وتعمل أوجه اللامساواة في الصحة على توسع الفجوة بين الأغنياء والأقوياء من جهة والفقراء والمحرومين من حقوقهم من جهة أخرى. ولهذا الأمر أهمية خاصة في علم الأعصاب، إذ أنّ فهم الناس للأمراض قد يكون محدوداً وقد تشيعُ وصمة العار. وتُعد ’إتاحة السُبل‘ مشكلة دقيقة لها تأثيرات اجتماعية بيئية واقتصادية على المستويات الوطنية والمحلية والفردية. ويمكن لمعالجة التكلفة والأسعار الميسّرة أن تشكّل دافعاً رئيسياً لتحسين إتاحة السُبل.

هناك 2.8 مليون شخص يعيشون اليوم حول العالم لديهم تصلّب عصبي مُتعدِّد (2)، وهو اضطرابٌ مناعي ذاتي عصبي مُزمن ومُعقَّد. وتوجد معالجات فعّالة جداً أو علاجات مُعدِّلة للمرض للتحكم في التصلّب العصبي المُتعدِّد. وليس هناك شفاء، ولكن مع التشخيص المبكر، فإنّ سُبل الاستفادة من المعالجة قادرة على إحداث فرقٍ كبير في نوعية المعيشة للأشخاص الذين يعيشون مع حالة التصلّب العصبي المُتعدِّد. وهناك حالياً 17 علاجات مُعدِّلة للمرض معتمَدة من الوكالة الأوروبية للأدوية (EMA) و/أو إدارة الغذاء والدواء (FDA) الأمريكية لمعالجة التصلّب العصبي المُتعدِّد. ومن الهامّ وجود علاجات مُعدِّلة للمرض متاحة للتحكم في مسار المرض والسماح للأشخاص بوضع المنافع والمخاطر للنُهج المختلفة في اعتبارهم.

التحديات في سُبل الحصول على علاج

يُشكّل تشخيص الإصابة بالتصلّب العصبي المُتعدِّد شرطاً مُسبقاً للحصول على علاج، لكن أطلس التصلّب العصبي المُتعدّد يذكر أن 83% من البُلدان حول العالم تُواجه عوائق تحُول دون إجراء تشخيص مبكر. في البُلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، تشمل هذه العوائق الوعي بالأعراض، وتوافُر أخصائيي الرعاية الصحية المؤهلين (على سبيل المثال، أخصائيو الأعصاب) وتوافُر معدات وفحوصات التشخيص وتكلفتها. وكثيرٌ من هذه العوائق شائعة في مختلف حالات الاضطراب العصبي.

تمثّل القدرة في الحصول على علاجات مُعدِّلة للمرض للتصلّب العصبي المُتعدِّد مسألة عدم مساواة. فالنُظم الصحية حول العالم لها هيكليات مختلفة، ولكن من حيث الجوهر يتحدَّد وضعُ شخصٍ ما بما يلي:

مدى إتاحة سُبل الرعاية الصحية له؛

مدى تحمّل نظام الرعاية الصحية لتكاليف رعاية التصلّب العصبي المُتعدِّد (مثل التشخيص والمعالجة)؛

مدى توفّر نطاق من العلاجات المُعدِّلة للمرض وتغطيتها من قِبل نظام الرعاية الصحية؛

ما إذا كان توفير العلاج متواصلاً أو محدوداً؛

ذكرت خمسة وسبعون في المائة من البُلدان حول العالم أنّ الناس عليهم أن يسددوا كامل تكلفة العلاجات المُعدِّلة للمرض بأنفسهم أو جزءاً منها. ويُشار إلى هذه المدفوعات بتكاليف ’تُدفع من جيب المريض‘.

وبذلك فإنّ إتاحة السُبل إلى العلاج تتأثر بشدّة بنظام الرعاية الصحية الساري في بلدٍ ما وبقدرة الفرد على الدفع مقابل الخدمات. وفي أطلس التصلّب العصبي المُتعدّد، ذكرَ 72% من البُلدان وجود عوائق أمام الحصول على العلاجات المُعدِّلة للمرض؛ وأفاد 49% من هذه البُلدان أن أحد العوائق الرئيسية يتمثل في التكلفة على الحكومة، ونظام الرعاية الصحية، وجهة التأمين.

تُؤثّر التكلفة المرتفعة للرعاية الصحية للأفراد على امتداد كامل الرحلة العلاجية للتصلّب العصبي المُتعدِّد. وقد يُقرر الأشخاص عدم الخضوع لاختبارات تشخيصية مُكلفة لأنهم لن يكونوا قادرين على تحمّل تكلفة العلاج. وذكر أطلس التصلّب العصبي المُتعدّد أنّ العائق الذي يحتلّ المرتبة الثانية بين أكثر العوائق شيوعاً في الاستفادة من سُبل العلاج تمثّل في امتناع الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد عن أخذ العلاجات المُعدِّلة للمرض، وغالباً بسبب ما تتطلبه من نفقات شخصية. وقد يُقرّر بعض الأشخاص إرجاء العلاج المُكلف لطويل الأمد إلى أن يُصبحوا عاجزين على نحو كافٍ يسمح لهم بالدخول إلى نظام التعويض الحكومي الخاص بهم، على الرغم من أنّ البيانات تُظهر فاعليّة العلاج المبكر. ويذكر بعضُهم اضطرارهم إلى إعادة رهن بيوتهم كي يتمكنوا من تحمّل نفقات العلاج، بينما لا يُتاح الخيار لكثيرين منهم بسبب التكاليف الباهظة على أُسرهم.

ما الذي يسعنا عمله؟

حلّ المشاكل الهيكلية واتخاذ إجراء دولي

تُعد تكلفة العلاجات المُعدِّلة للمرض ويُسرها من الجوانب التي يصعب دراستها لأن المعلومات الخاصة بالسعر الدقيق غير متاحة للجمهور وعلى نحو شفاف. ويمكن لسعر العلاجات المُعدِّلة للمرض أن يختلف اختلافاً هائلاً من بلدٍ لآخر. وعلى سبيل المثال، تعمل حكومات كثيرة مع شركات الأدوية للتفاوض على أسعارٍ تقلّ على نحو ملحوظ عن أسعار القائمة، مع الحفاظ على سرّية الأسعار طبقاً لاتفاقيات عدم الإفصاح. ويُرجح أكثر أن تكون الأسواق الأكبر والنُظم الصحية الأكثر تنظيماً قادرةً على التفاوض على أسعار أفضل، لأنها توفّر طلباً أكثر استقراراً وقابلاً للتنبؤ. وهناك أيضاً مخططات تمويل ابتكارية تضعها شركات الأدوية، وتسمح للأشخاص من ذوي الدخل الأدنى بالتحكم بتكلفة العلاجات المُعدِّلة للمرض، ومثلاً عن طريق تسديدها على هيئة أقساط أو من خلال إعانات جزئية أو عن طريق الدفع المشترَك.

إنّ تحسين سُبل إتاحة العلاج يتطلب تعاوناً صريحاً وموثوقاً بين الكيانات الربحية وغير الربحية، بما فيها شركات الأدوية ومُصنّعي الأدوبة وشركات التأمين والحكومات والنُظم الصحية الوطنية وجمعيات المرضى والمؤسسات غير الحكومية. ولطالما كان توليد الأرباح من صحة الناس مسألةً خادعة يصعب موازنتها.

يُعد تطوير العقاقير من المساعي الربحية ويتطلب الاستثمار من أجل البحوث والتطوير. والحق في الصحة هو أحد حقوق الإنسان وإتاحة سُبل الرعاية على نحو عادل هو أمرٌ نكافح من أجله. فهل نحن نُجري المحادثات المناسبة لحل هذه المسائل على مستوى هيكلي؟ وما الذي يمكننا عمله أكثر لتحديد أرضية مشترَكة؟

قد تتناول ’خطة العمل العالمية المتعددة الجوانب المعنيّة بالصرع وغيره من الاضطرابات العصبية‘ التابعة لمنظمة الصحة العالمية بعض الأسئلة العملية أكثر: ما هي التشخيصات والعقاقير التي ينبغي توفّرها في جميع النُظم الصحية لطب الأعصاب؟ ما هو ’السعر العادل‘ لهذه المنتجات؟ ما هي المسؤوليات المُلقاة على عاتق وزارات الصحة الوطنية، وقطاع الأدوية، والمؤسسات غير الربحية الدولية؟

إنّ الاتحاد الدولي للتصلّب العصبي المُتعدّد، بوصفه من مؤسسات المرضى، يعملُ على التصدي بفاعليّة لبعض هذه التحديات. ونحن نخطط لتقديم طلب منقّح لإضافة علاجات التصلّب العصبي المُتعدِّد إلى قائمة الأدوية الأساسية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية. ومن شأن ذلك أن يُرشد صنّاع القرار حول أي العلاجات المُعدِّلة للمرض الخاصة بالتصلّب العصبي المُتعدِّد ينبغي توفيرها كحد أدنى في جميع النُظم الصحية.

وبما يتصل بذلك، يتولّى الاتحاد الدولي للتصلّب العصبي المُتعدّد مراجعة استخدام العلاجات المُعدِّلة للمرض خارج غرضها المخصص في علاج التصلب . وفي المَسح الذي أجراه أطلس التصلّب العصبي المُتعدّد، ذكرت 87% من البُلدان استخدامها علاجاً واحداً على الأقل من العلاجات المُعدِّلة للمرض خارج غرضها المخصص. تحظى العلاجات “خارج غرضها المخصص” باعتمادٍ تنظيمي لتُشير إلى اعتمادها ’ضمن غرضها المخصص‘، ولكن ليس للتصلّب العصبي المتعدد. وكثيراً ما تكون العلاجات المُعدّلة للمرض خارج غرضها المخصص أكثر توافُراً على نحو جاهز وبتكلفة مُيسَّرة لدى النُظم الصحية. وتختلف قاعدة الأدلّة الخاصة بالعلاجات خارج غرضها المخصص عن العلاجات التي تحظى باعتمادٍ تنظيمي، ولكنها قد تكون الخيار الأوحد المُتاح والمُيسَّر التكلفة في الأوضاع المتسمة بانخفاض الموارد. وتُعد مسألة ما إذا كان ينبغي استخدام علاجات خارج غرضها المخصص مشكلةً حقيقيةً يُواجهها أطباء العيادات والأشخاص ذوو التصلّب العصبي المتعدد، ونريد أن نساند الناسَ في فهم المنافع والمخاطر، بحيث يتمكنون من اتخاذ أفضل القرارات للتحكم بمرضهم.

بناء القدرات والمناصرة على المستوى الوطني

في حين أنّ التغير الدولي على المدى الطويل هو أساسي، فإنّ التغيّر الحقيقي كثيراً ما يقع على مستوى وطني. يعمل الاتحاد الدولي للتصلّب العصبي المُتعدّد مع مؤسسات الوطنية لتنشيط العمل المحلي. ومن الهامّ التوصل إلى حلول فعالة ومُستدامة بالاستعانة بالمعرفة المحلية المتعمقة، والإدارة السليمة، وضمان توفّر الدخل المتأتي من جمع التبرعات على المدى الطويل. وتُعد أوجه التعاون بين البُلدان وبين مؤسسات التصلّب العصبي المُتعدّد وأخصائيي الرعاية الصحية وغير ذلك من مؤسسات المرضى بالغة الأهمية وتحتاج إلى جُهدٍ متّسِق. وتظهر المناصرة الوطنية وقوة العمل الجماعي من خلال مثالٍ أُنجز مؤخراً في تشيلي، نتج عنه تمتع كل شخص لديه تصلّب عصبي مُتعدِّد في تشيلي بسبُل متساوية في الحصول على العلاجات المُتاحة.

يُوفّر أطلس التصلّب العصبي المُتعدّد بيانات متاحة مجاناً حول علم الوبائيات والإدارة الإكلينيكية للتصلّب العصبي المُتعدِّد حول العالم، ويسمح بإجراء مقارنات بين بُلدان ذات مستويات دخل أو منطقة جغرافية متشابهة. وتُعد البيانات ذات الجيّدة النوعية حول الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد (مثل السجلات) والفهم المتعمق للعوائق أدوات فعّالة للمُناصرة في كثير من الأحيان. ونحن نعمل مع مؤسسات التصلّب العصبي المُتعدّد المحلية، كما في المغرب، لتحقيق فهم أفضل للمشهد الوطني المَعني بالرعاية الخاصة بالتصلّب العصبي المُتعدِّد وتحديد التغيّرات المناسبة في السياسات لتحسين حياة الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد.

الاستنتاج

توجد علاجات فعّالة لعدد من الحالات العصبية، ولكن ليس جميعها. وفي أحيان كثيرة، وعلى الرغم من العلاجات الفعالة الموجودة، يُواصل الأشخاص المحرومون الحصول على نتائج صحية أكثر سوءاً ويتحملون أعباء الأدوية ذات التكلفة المرتفعة. ويمكن لتضييق أوجه عدم المساواة، عن طريق تحسين التكاليف وتيسير تكلفتها، أن يخلّف أثراً عميقاً على الفرد والأُسرة ويجعل المجتمع أكثر عدلاً بوجهٍ عام.

“1 بي بريفمان، إس غراسكِن تعريف المساواة في الصحة. مجلة Epidemiol لصحة المجتمع. 1 نيسان/أبريل 2003؛ 57(4):254–258.

2 سي والتون، آر كنغ، إل ريختمان، دبليو كاي، إي ليراي، آر إيه ماري وآخرون الانتشار المرتفع للتصلّب العصبي المُتعدِّد حول العالم: نظرات متعمقة من أطلس التصلّب العصبي المُتعدّد، الطبعة الثالثة. مجلة التصلّب العصبي المُتعدِّد 1 كانون الأول/ديسمبر 2020؛ 26(14):1816–1821.”

Page Tags: