تعد اللقاحات حيوية لضمان استمرارية مكافحة فيروس كورونا المُستجد. ومع ذلك، قد تؤثر بعض العلاجات المُعدّلة للمرض التي كان يتم استخدامها لعلاج التصلّب العصبي المُتعدّد على قدرة الجسم على إنتاج استجابة مناعية للقاحات كوفيد-19. تلخص هذه المقالة أحداث الأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع.

كيف تساعد اللقاحات جسمنا على مكافحة كوفيد-19؟

عند الإصابة بالعدوى، تشكل الخلايا البائية والخلايا التائية والخلايا البلعمية خطوط الدفاع الرئيسية لجهازنا المناعي. الخلايا البلعمية هي خلايا الدم البيضاء التي تلتهم الجراثيم والخلايا الميتة ثم تهضمها ولكنها تترك جزءاً من الميكروبات المُغيرة خلفها تُعرف باسم “المستضدات”. يتعرف الجسم على هذه المستضدات ويحفز الأجسام المضادة على مهاجمتها. ويتم إنتاج الأجسام المضادة بمساعدة الخلايا البائية في عملية تُعرف باسم “الاستجابة الخلطية”1. (انظر مسرد المصطلحات).

يمكن بدء إنتاج الأجسام المضادة إما بسبب تلقي اللقاح أو الإصابة بعدوى مما يؤدي لتكوين خلايا بائية ذاكرة. تظل خلايا الذاكرة موجودة بالجسم، وبالتالي عندما تواجه الفيروس مجدداً، تستطيع خلايا الذاكرة لجهاز المناعة التعرف عليه وتصبح أكثر استعدادًا له وتكافحه بصورة أفضل. وفي الوقت نفسه، تهاجم الخلايا التائية الخلايا المصابة بالفعل في عملية تُعرف باسم “الاستجابة الخلوية”2. (انظر مسرد المصطلحات).

قد تُضعف العلاجات المعدّلة للمرض من استجابة المناعة للقاحات كوفيد-19

ينضم الأفراد الأصحاء إلى التجارب السريرية للقاح بشكل أساسي لضمان عدم تغير الاستجابة للقاح بسبب الأدوية أو الظروف الصحية للحالة. على سبيل المثال، في التجارب الأصلية للقاح فايزر/ بيوأنتك يُستبعد الأفراد الذين يتلقون علاجات مثبطة للمناعة أو الكورتيكوستيرويدات الخاصة بأحد أمراض المناعة الذاتية. وهذه المعايير تجعل من الصعب فهم كيف يستجيب الأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد للقاحات.

تستهدف العلاجات المُعدّلة للمرض المستخدمة لعلاج التصلّب العصبي المُتعدّد جهاز المناعة، إما عن طريق التأثير على وظيفة الخلايا البائية أو التائية، أو بتقليل عدد هذه الخلايا في الدورة الدموية. في حال استهداف الخلايا البائية من قِبل العلاج المُعدّل للمرض، قد تضعف قدرة الجسم على إنتاج الأجسام المضادة. وهذا يعني أن أحد اللقاحات قد يكون أقل فعالية لهؤلاء الذين يتلقون، أو تلقوا مؤخراً، بعض العلاجات المُعدّلة للمرض. وقد أشار عدد كبير من المقالات المنشورة أو المطبوعات الأولية لحدوث هذا الأمر.

تستند هذه النتائج المستخلصة على دراسات أخرى أُجريت في الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وسويسرا وإسرائيل. توصلت هذه الدراسات إلى نتيجة مفادها ضعف استضافة الأجسام المضادة لأدوية ريتوكسيماب (ريتوكسان) وأوكريليزوماب (أوكريفوس) وفنجوليمود (جيلينيا)، وعلى النقيض جاءت استجابة الأجسام المضادة أفضل في حال تناول كلادريبين (مافنكلاد) وأليمتوزوماب (لِمترادا) وناتاليزوماب (تيسابري). يبدو أن الأفراد الذي يتلقون أدوية كلادريبين وأليمتوزوماب وناتاليزوماب لديهم عدد أكبر من الخلايا البائية في الدورة الدموية مقارنةً بمن يتناولون أدوية ريتوكسيماب وأوكريليزوماب، وربما يوضح هذا الأمر السبب في قدرتهم على إنتاج عدد أكبر من الأجسام المضادة.

وتجري الآن تجربة سريرية لفهم مدى استجابة أوفاتوموماب (كيسيمبتا) للقاحات كوفيد-19، ونحن في انتظار معرفة معلومات أكثر عن تأثيرات بونسيمود (بونفوري) وأوزانيمود (زيبوسيا) على استجابة الأجسام المضادة. ومن المحتمل أن تكون هذه التأثيرات مشابهة لأدوية سيبونيمود (مايزينت) وفنجوليمود.

الأمور المتعلقة بتوقيت العلاج

قد يلعب توقيت تلقي العلاج دوراً مؤثراً على النتائج. عندما يحصل شخص ما على حقنة من علاجات معينة مُعدّلة للمرض تقلل من مستويات الخلايا البائية، لاسيما أوكريليزوماب وأوفاتوموماب وريتوكسيماب، حيث ينخفض مستوى الخلايا البائية في ذلك الشخص ثم يرتفع مجدداً لكن ببطء. في حال وجود فترة زمنية كبيرة بين الحقن بالعلاج وتلقي لقاح كوفيد-19، يُنتج الجهاز المناعي في أغلب الأحيان عدد أكبر من الأجسام المضادة كنوع من الاستجابة للقاح. ويحدث هذا بسبب استعادة مستويات إنتاج الخلايا البائية مما يعني توفر عدد أكبر من الخلايا البائية في الدورة الدموية. ولا يحتاج الأفراد الذين يتلقون علاجات أخرى مُعدّلة للمرض ذات كثافة مرتفعة مثل أليمتوزوماب أو كلادريبين عادةً لفترة أطول كي يتمكن جهاز المناعة من العودة إلى وضعه الطبيعي مما يسمح له بإنتاج عدد أكبر من الأجسام المضادة استجابة للقاح.

استجابة المناعة التي تتعدى الأجسام المضادة – انضمام الخلايا التائية إلى مكافحة المرض

وكما ذُكر سابقاً، يستجيب جهاز المناعة للجراثيم بطريقتين رئيسيتين: الاستجابة الخليطة عبر الخلايا البائية والاستجابة الخلوية عبر الخلايا التائية. وحتى إذا لم يحقق شخص ما استجابة للقاح عن طريق إنتاج أجسام مضادة قوية، يظل بإمكان الخلايا التائية لعب دوراً حيوياً في تشكيل استجابة مناعية. وقد أظهرت بعض المطبوعات الأولية الحديثة أن بعض الأشخاص الذين يتلقون علاجات مُعدّلة للمرض تعمل على تقليل الخلايا البائية مثل ريتوكسيماب وأوكريليزوماب لديهم استجابة جيدة للقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) فيما يخص الخلايا التائية (على سبيل المثال، لقاحات موديرنا وفايزر) وذلك على الرغم من ضعف استجابة الأجسام المضادة. ومن غير الواضح حتى الآن كيف تعمل الخلايا التائية على وجه التحديد، ولكنها يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في منع الأعراض الشديدة لكوفيد-19.

ملخص

تستهدف عدة علاجات مُعدّلة للمرض الخلايا التائية بطريقة أو بأخرى. لكن العلاجات المُعدّلة للمرض مثل فنجوليمود أو العلاجات التي تعمل على تقليل الخلايا البائية مثل ريتوكسيماب تتسبب في تقليل عدد الخلايا البائية المتوفرة. وتُظهر الدراسات أن الأفراد الذين يعالجون بأدوية فنجوليمود وسيبونيمود وريتوكسيماب وأوكريليزوماب تتكون لديهم استجابة ضعيفة للقاحات كوفيد-19 ناجمة عن الخلايا البائية. لكن الأفراد الذين يتلقون كلادريبين وناتاليزوماب وأليمتوزوماب يبدو أنه تتكون لديهم استجابة بأجسام مضادة قوية.

يبدو أن هناك رابط بين عدد الخلايا البائية وعدد الأجسام المضادة المنتجة. فكلما زاد عدد الخلايا البائية في الدورة الدموية، يصبح من السهل إنتاج المزيد من الأجسام المضادة. ومع ذلك، حتى في حال عدم إنتاج أي أجسام مضادة، تبدو احتمالية وجود بعض الاستجابة من الخلايا التائية. وهذا يعني أنه في حالة تناول أوكريليزوماب أو ريتوكسيماب أو فنجوليمود، قد يظل جهاز المناعة قادراً على الاستجابة للقاح بطرق أخرى. وللتوضيح بشكل آخر، إذا حدثت الإصابة بالفيروس، تستطيع الخلايا التائية المساعدة في تقليل حدة المرض.

هناك جوانب عديدة مفقودة من هذا اللغز، منها توقيت تلقي اللقاح والعمر ونوع اللقاح والفترة الزمنية التي داومتم خلالها على تلقي العلاجات المُعدّلة للمرض، وعدد الخلايا البائية واستجابة الخلايا التائية. والأمر المبشر في هذا الصدد هو أن حجم المعلومات يتزايد وأننا نتعلم أكثر وأكثر في كل يوم.

الاستنتاج

للحصول على توصيات مفصلة، يرجى الاطلاع على النصائح العالمية بشأن كوفيد-19 للأشخاص ذوي التصلّب العصبي المُتعدّد من خلال الارتباط أدناه.*

مسرد المصطلحات

·       الأجسام المضادة: بروتين يُستخدم من قِبل جهاز المناعة للتعرف على الميكروبات المُغيرة مثل الفيروسات وإزالتها.

·       المُستضِدّ: جُزيء موجود خارج الفيروس يقوم عادةً ببدء استجابة مناعية. تتفاعل الأجسام المضادة مع المُستضِدّات ويمكن أن تتسبب في قتل خلية الفيروس.

·       الخلية البائية: الخلية الليمفاوية البائية هي مجموعة من الخلايا المناعية تؤدي وظائف مختلفة – انظر “الاستجابة الخليطة”.

·       2الاستجابة الخلوية: الاستجابة المناعية داخل الخلايا المصابة بواسطة الخلايا التائية. تبحث الخلايا التائية القاتلة (أو خلايا CD8+ التائية) عن الخلايا المصابة بالفيروس وتدمرها. تعتبر الخلايا الأخرى والتي تسمى الخلايا التائية المساعدة (أو خلايا CD4+ التائية) هامة لتأدية الوظائف المناعية المختلفة وتشمل تحفيز إنتاج الأجسام المضادة والخلايا التائية القاتلة. يتم تنشيط الخلايا التائية بعد أن يصيب أحد الفيروسات الجسم. ومن هنا تأتي أهميتها في مكافحة عدوى قائمة. تعني استجابة الخلية التائية القاتلة الفرق بين عدوى متوسطة وعدوى شديدة تتطلب نقل المريض إلى المستشفى. من الممكن أيضاً أن تقلل من كم العدوى المنقول إلى المجتمع.

·       كوفيد-19: مرض فيروس كورونا المُستجد (كوفيد-19) الذي يتسبب فيه فيروس كورونا 2 المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (SARS-CoV-2)

·       1الاستجابة الخليطة: تُعرف أيضاً باسم المناعة المتواسطة بالأجسام المضادة. تتفاعل الخلايا البائية مع المستضدات الموجودة على سطح الفيروس. علاوة على المستضدات، تحتاج الخلايا البائية إلى إشارة ثانية ليتم تنشيطها – على سبيل المثال، بواسطة الخلايا التائية المساعدة. فعند وجود هذه المحفزات، يمكن أن تصبح الخلايا البائية خلايا بلازما وخلايا بائية ذاكرة. تطلق خلية البلازما الأجسام المضادة في الدورة الدموية. وتقوم الخلايا البائية الذاكرة بإنتاج الأجسام المضادة المتفاعلة مع سطح الخلية وتعمل بشكل محدد للغاية من أجل مكافحة الفيروس. وتعيش الخلايا البائية الذاكرة لفترة زمنية طويلة وهو الأمر الذي يسمح للجسم بالتفاعل بشكل أسرع وأقوى عند التعرض للفيروس ذاته.

·       انقلاب تفاعلية المصل: تكون الأجسام المضادة لمكافحة فيروس موجود في مصل الدم – إما بعد الإصابة بعدوى أو التحصين (تلقي اللقاح).

·       المطبوعة الأولية: نوع من الأوراق العلمية التي تظهر قبل الوصول لشكلها النهائي وهو المقالة التي يتم مراجعتها رسمياً بواسطة الأقران ونشرها في مجلة دورية علمية. غالباً ما تتوفر المطبوعات الأولية في صورة مقالات غير منسقة مجانية وهو ما يسمح بمشاركة البيانات مع الجميع بأسرع ما يمكن. ومع ذلك، في المجالات التي تشهد تطورات متلاحقة، إما أن يتم تفنيد البحث أو نسخه في أقرب وقت بعد نشره. ويستطيع الجميع أيضاً التعليق ونشر ملاحظاتهم على قنوات أخرى مثل وسائل التواصل الاجتماعي.

·       SARS-CoV-2: فيروس كورونا 2 المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم.

·       الخلية التائية: الخلية الليمفاوية التائية هي مجموعة من الخلايا المناعية. تتضمن بعض الأنواع منها: مساعد CD4+ وقاتل CD8+ والخلايا التائية الذاكرة، والتي تؤدي جميعها وظائف مختلفة – ارجع إلى “الاستجابة الخلوية”.

·       تلقي اللقاح (التطعيم): إعطاء لقاح لمساعدة جهاز المناعة على تكوين حماية ضد المرض (التحصين)