لقد حظيت العوامل الوراثية للتصلب المتعدد باهتمام الأبحاث في هذا المجال لسنين طوال، وأسفرت عن رؤى متعمقة في الأسباب المؤدية إلى التصلب المتعدد والأسباب البيولوجية الكامنة وراء هذا المرض. وكثيراً ما يشعر الناس بالقلق حيال الطريقة التي يظهر فيها التصلب المتعدد في الأُسر والخطر المحتمل بإصابة أفراد الأسرة الآخرين بالتصلب المتعدد.

ما هي العلوم الوراثية؟

العلوم الوراثية هي ببساطة دراسة الجينات الوراثية. والجينات هي وحدات من المعلومات الموجودة داخل كل خلية في الجسم تقريباً. وهي عبارة عن التعليمات أو المخططات الموروثة من الوالدين والتي تحتوي على جميع التعليمات المطلوبة لبناء أجسامنا وتساعدها على أداء وظائفها. وتُعد الجينات على وجه التحديد التعليمات اللازمة لصنع البروتين، وهي الوحدات البنائية للجسم. تتكوّن الجينات من مادة كيميائية تُسمى الحمض الريبي النووي المنزوع الأكسجين، والذي يُعرف على نحو أفضل بالأحرف “دي إن إيه”. تؤثّر الجينات في كثير من صفاتنا ومن بينها احتمالية الإصابة بمرضٍ ما.

وتُعرف المجموعة الكاملة من الجينات باسم الجينوم ويحتوي الجينوم البشري على نحو 20000 جين. ولكل شخص نسختان من كل جين، نسخة موروثة من الأم والأخرى موروثة من الأب. وقد تكون الشيفرة الوراثية لكل جين الموروثة من والدي الفرد متشابهة أو قد تختلف قليلاً. تُعرف التغيرات التي تطرأ على الشيفرة الوراثية باسم الأشكال المتعددة أو الطفرات، وغالباً ما تدلّ الطفرات على حدوث تغيرات وراثية تُفضي مباشرةً إلى ظهور مَرض. وبالنسبة إلى بعض الأمراض، قد يتسبب تغير طفيف واحد في إصابة الشخص بالمرض. في أمراض أخرى مثل التصلب المتعدد تكون العلاقة مع الجينات أكثر تعقيداً ويتعيّن على الباحثين فحص تغيرات كثيرة في الشيفرة الوراثية عبر الجينوم لتحديد مدى وجود أنماط معينة.

علم الوراثة وخطر الإصابة بالتصلّب المتعدد

لا يمثل التصلب المتعدد نوعًا من أنواع الاعتلال الوراثي بالمعنى الدقيق. ويمكن أن يرث الأطفال الاعتلالات الوراثية من أحد الأبوين بطريقة محددة وقابلة للتنبؤ. ولكنّ إذا كان الشخص يعاني من التصلب المتعدد، فلا يعني ذلك بأي حال من الأحوال إصابة أولاده بالمرض على نحو قاطع. وغالباً ما لا تكون هناك سوابق عائلية من الإصابة بالتصلب المتعدد وقد لا يُصاب به سوى فرد واحد من أفراد الأسرة.

وتلعب الجينات دوراً في خطر الإصابة بالتصلّب المتعدد لكنها ليست السبب الوحيد في ذلك. فلا بُد من أن تجتمع الجينات مع عوامل أخرى مثل التعرض لعوامل بيئية من أجل ظهور التصلب المتعدد.

وفي الوقت الحالي، تم ربط ما يزيد عن 200 تغيّر وراثي دقيق بخطر الإصابة بالتصلب المتعدد وقد أتاح ذلك بدوره الدليل على آليّات التصلب المتعدد. يُسمى الجين الذي يرتبط على نحو أقوى بالإصابة بالتصلب المتعدد HLA-DRB15*01، وهو جين رئيسي من جينات جهاز المناعة. ويوجد هذا الجين على نحو أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين تعود أصولهم إلى شمال أوروبا، وهو ما يفسّر إلى حدٍ ما احتمال إصابة هذه الفئات السكانية بالتصلب المتعدد بشكل أكبر من الأشخاص من العرقيات الأخرى. وتُعرف جينات كثيرة أخرى ذات الخطر الثانوي بأنها تلعب دوراً في تنظيم جهاز المناعة. ويشكّل ذلك أمراً منطقياً لأن التصلب المتعدد يُعرف بأنه يظهر حين يهاجم جهاز المناعة بالخطأ الدماغ والحبل الشوكي.

خطر إصابة أقرباء الأشخاص ذوي التصلب المتعدد

لقد قُدّر تسبب العوامل الوراثية بخطر الإصابة بالتصلب المتعدد بمقدار يزيد قليلاً عن النصف، ويُعد الأفراد ممن لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بالتصلب المتعدد أكثر عرضةً للإصابة به من بقية السكان بشكل عام.

في دراسة أسترالية أجريت عام 2013، جمع الباحثون البيانات من عدد من الدراسات الدولية لتحديد خطر الإصابة بالتصلب المتعدد بين أفراد عائلات الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد. في هذه الدراسة، تم حساب الخطر الكلي للإصابة بالتصلب المتعدد بنسبة 1 من بين كل 625 من النسبة العامة للسكان حول العالم – مما يشير إلى تعرّض شخص واحد من بين كل 625 شخصاً إلى خطر الإصابة بالتصلب المتعدد (أو 0.16%). وهذا هو معدّل الخطر حول العالم؛ بينما يختلف الرقم الدقيق بناءً على المكان الذي يعيش فيه الشخص وخلفيته العرقية.

ووجد الباحثون أن خطر التعرض للتصلب المتعدد يختلف وفقاً لدرجة القرابة مع شخص يعاني من المرض. وعلى سبيل المثال، في التوائم المطابقة الذين يتشاركون كامل تركيبتهم الوراثية تبلغ نسبة خطر إصابة الشق الثاني من التوأم على مدى عُمره 1 من بين كل 6 (18.2%). وفي المقابل، فإنّ فرصة إصابة شقيقٍ لشخص لديه تصلّب متعدد هي 1 من بين كل 37 (2.7%)، بينما يبلغ خطر إصابة الأشقاء من التوائم غير المتطابقة (الذين يحملون نفس النسبة من الجينات المشترَكة بصفتهم أشقاء) 1 من بين كل 22 على مدى العُمر (4.6%). ويرجّح أن يعود سبب هذه الزيادة بالنسبة إلى التوائم غير المتطابقة مقارنةً بالأشقاء العاديين إلى العوامل البيئية المشتركة التي تتعرّض لها التوائم غير المتطابقة عن كثب.

ويتشارك الأبوان والأولاد أيضاً نصف جيناتهم الوراثية. وأظهرت الدراسة أعلاه أيضاً أن والديّ الأشخاص ذوي التصلب المتعدد تبلغ احتمالية إصابتهم بالمرض بمعدل 1 من بين كل 67 (1.5%)، فيما تبلغ احتمالية إصابة أطفال ذوي التصلّب المتعدد 1 من بين كل 48 (2.1%) على مدى عُمرهم. يُظهر الأقرباء الأبعد وراثياً مستويات خطر أدنى في الإصابة بالتصلب المتعدد. وظهر أن معدّل خطر إصابة الأعمام والعمات أو الأخوال والخالات على مدى عُمرهم يبلغ 1 من بين كل 125 شخصاً (0.8%)، بينما يبلغ المعدّل بين أبناء الأخ/الأخت وبنات الأخ/الأخت 1 من بين كل 100 شخص (1%)، وبين أبناء وبنات العم أو العمة أو الخال أو الخالة 1 من بين كل 142 شخصاً (0.7%).

هل يفيد إجراء فحص وراثي للكشف عن التصلب المتعدد؟

في حين إن الجينات تلعب دوراً في التصلّب المتعدد، فإنّ خطر إصابة شخصٍ ما بالتصلّب المتعدد لا يتأثر فقط بجين واحد أو جينين، وإنما بتوليفة من جميع جيناتهم والعوامل البيئية التي تعرّضوا لها على مدى حياتهم. وبناءً عليه لا يتمكّن الاختبار الوراثي البسيط من التنبؤ بدقّة بمدى إصابة الشخص بالتصلّب المتعدد ولا يُطرح حالياً ضمن الرعاية الدورية لأقرباء الأشخاص ذوي التصلّب المتعدد.

شكر خاص لجمعية أبحاث التصلب المتعدد في أستراليا – المصدر الرئيسي لملخصات الأبحاث على موقعنا الإلكتروني.